بسم الله الرحمن الرحيم
الدعوة إلى الله في السلوك اليومي
د. يوسف بن عبد الله التركي
إن الدعوة الى الله جزء من حياة المسلم اليومية في بيته ومع أسرته وفي عمله وطريقه ومع زملائه وفي جميع أحواله ، قال تعالى " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين "
وإن من أعظم وسائل الدعوة الى الله السلوك العملي للداعية وثبات المسلم على مبادئه وأخلاقه التي هذبه بها دينه الإسلامي الحنيف ، فالطبيب المسلم يدعو الى الله بسلوكه قبل قوله لأن تأثير الأفعال أبلغ من الأقوال ، والإيمان كما هو معلوم ما وقر في القلب وصدقه العمل ، لذا فإن إلتزام الطبيب المسلم وإتقانه لعمله وحرصه الشديد على مرضاه وأدائه لما أوكل إليه من مهمات على أكمل وجه ومراقبة الله في ذلك ، وحسن تعامله مع مرضاه وزملائه ورؤسائه ومرءوسيه من أعظم الوسائل التي تأسر القلوب وتعطي صورة مشرقة للطبيب المسلم ، أما عندما يكون الطبيب المسلم مهملاً في عمله كسولاً لا يتقن ما أوكل إليه من مهمات فإن ذلك ينفر القلوب من حوله ولا يكون لدعوته تأثير على الآخرين .
وإن العودة لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين والتأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته وأخلاقه فهو القدوة لهذه البشرية قال تعالى " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً "
وهكذا يرى المسلم كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن سلوكاً عملياً في حياته اليومية في بيته ومع أزواجه رضوان الله عليهن أجمعين ومع أصحابه رضوان الله عليهم ، بل وحتى مع أعدائه من الكفار والمنافقين ، يتأدب بآدابه التي شرعها الله قال تعالى " وإنك لعلى خلق عظيم " وعن عائشة رضى الله عنها قالت " كان خلق نبي الله صلى الله عليه وسلم القرآن " رواه مسلم .
وعن أنس رضي الله عنه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً " متفق عليه .
إن الدعوة الى الله تحتاج الى إخلاص العمل لله عز وجل وإصلاح النفس وتهذيبها وتزكيتها وأن يكون لدى الداعية فقه في الدعوة الى الله وفق منهج الله الذي شرعه لعباده ، وهذا الجانب يحتاج من الطبيب إلى التفقه في الدين في الأمور التي تواجهه في ممارساته اليومية ، وسؤال أهل العلم قال تعالى " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " ومجالسة العلماء وحضور بعض حلقات الذكر وطلب العلم في مجال التخصص .
ولكي نحاول أن نترجم أقوالنا إلى سلوكيات يومية في حياتنا فدعونا نبدأ هذا اليوم الجديد في حياة طبيب مسلم في بداية مشواره العملي ، وهو يذهب في الصباح الباكر إلى عمله في المستشفى أو المركز الصحي وهو يستشعر النية فينوي بعمله التقرب إلى الله وإعانة إخوانه المرضى ونفعهم ، فإنه بهذه النية الخالصة لله ينال بها أجري الدنيا والآخرة ، فإذا دخل المستشفى وشارك في اللقاء الصباحي لمناقشة الحالات المرضية لإخوانه المرضى فانه ينوي بذلك طلب العلم ، لإتقان هذه الأمانة ورفع كفاءته العلمية ، ومن ثم يكون هناك المرور على المرضى المنومين ، يستشعر بذلك نية زيارة المرضى فينال بذلك أجر عظيماً لزيارة المريض ، ومن ثم ينهمك الطبيب المسلم في عمله بكل جد وإخلاص وإتقان ، فيستمع الى مرضاه ويتواضع معهم ويعطف عليهم ، ويغض بصره عما حرم الله ، ويبذل قصارى جهده في علاجهم وفق المنهج العلمي الصحيح مع التوكل على الله ودعاء الله لهم بالشفاء .
والطبيب المسلم يتفقد أحوال مرضاه مع الطهارة وأداء الصلاة ،فإن بعض المرضى قد يجهل ذلك فيؤخر الصلاة عن وقتها أو يتكاسل عنها جهلاً منه بأحكام الطهارة والصلاة للمريض ، ولذا فإنه ينبغي توجيه المرضى لذلك برفق ولين وحسن أدب ، وهناك ولله الحمد والمنه الكثير من النشرات والكتيبات لعلمائنا الأفاضل وفقهم الله وغفر لهم عن أحكام طهارة وصلاة المريض والتي يمكن إهداءها للمرضى .
وعندما يرى الطبيب المسلم منكراً من المنكرات في المستشفى أو في محيط عمله أو في طريقه فإنه يتذكر واجباً شرعياً وركناً أساسياً وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيسعى في إنكار المنكر بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه بشرط أن يكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة وإلتزام الرفق واللين والبعد عن الغلظة ورفع الأصوات وإثارة الآخرين ، وألا يترتب على ذلك مفسدة ، فالمسلم مأمور بالتوجيه والإرشاد وليس عليه تحقيق النتائج فإن التوفيق والهداية بيد الله عز وجل.
وهذا الجانب يحتاج إلى فقه الداعية في أساليب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وألا تترك هذه إلى إجتهادات شخصية بل يجب أن يكون ذلك وفق أدب وأخلاق المسلم المتفقه في دينه الذي يدعو إلى الله على بصيرة، ولعل مما يساعد على ذلك ما أنشأته وزارة الصحة حديثاً من مكاتب دينية في المستشفيات للقيام ببعض هذه المهمات وفق أسس وأنظمة المستشفى حتى لا يترتب على ذلك مفاسد.
وعندما يحين موعد الآذان تجد الطبيب المسلم يقف وقفة قصيرة بدون أن يؤثر ذلك على عمله، مع كلمات الآذان فيرددها ويستشعر معانيها فتزكوا بذلك النفس وتزداد قوة وعزيمة لأداء الصلاة تلك الشعيرة العظيمة والمحطة الإيمانية التي ينبغي المحافظة عليها في أوقاتها مع جماعة المسلمين، والحرص على الصف الأول لما في ذلك من الأجر العظيم كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل النداء والصف الأول .
والطبيبة المسلمة ينطبق عليها ما ذكر ، مع أهمية أداءها لعملها بسكينة ووقار وحشمة بعيدة عن الاختلاط بالرجال ، متأدبة بكلامها ، وتصرفاتها ومتحجبة بالحجاب الشرعي الذي تتعبد الله به ، صابرة محتسبة الأجر من الله في تخفيف الآلام عن بنات جنسها ، فالطبيبة المسلمة داعية إلى الله بسلوكها وحسن أدبها مع بنات جنسها من المريضات والعاملات والممرضات ن تحب الخير للآخرين ، ذات روح ونفس زكية في تعاملاتها ، ومع ذلك فهي تحرص على التوازن في حياتها ، فلا يطغى جانب على أخر ، فتهتم بأسرتها وزوجها وأولادها مع إتقانها لعملها الطبي الهام .
وأؤكد أن الطبيبة المسلمة يجب أن تكون قدوة حسنة في التزامها بالحجاب الشرعي في محيط العمل لتكون بذلك داعية بسلوكها ، وعليها أن توجه أخواتها ممن تساهلن بالحجاب بالرفق واللين والموعظة الحسنة وان تبين لهن أن الحجاب عبادة لله عز وجل وليست قيداً أو عادة تضيق المرأة منها مع تذكيرهن بقوله تبارك وتعالى " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم .... الآية " .
وهكذا تجد أن الطبيب المسلم والطبيبة المسلمة يدعو إلى الله من خلال سلوكها اليومي ، فالدعوة جزء هام من حياتهما يحتسبان الأجر فيهما من الله عز وجل قال تعالى " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين "
والله أسال أن يوفق اخوتي وأخواتي من العاملين في المجال الصحي لما فيه الخير في الدنيا والآخرة ن وان يعيننا على إصلاح أنفسنا ، والدعوة إلى الله بالقول والعمل انه ولى ذلك والقادر عليه
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
المصدر أطباء الحرمين