الحمد لله المتفضل بالجود والإحسان, المنعم على عباده بنعم لا يحصيها العد والحسبان, الكريم المنان الذي أسبغ علينا النعم ظاهرة وباطنة, فله الحمد في الأولى والآخرة.
نحمده تعالى ونشكره، ونصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, سيد المرسلين وإمام المتقين, وعلى آله وصحبه أجمعين.
فإن مكارم الأخلاق صفة من صفات الأنبياء والصديقين والصالحين، بها تُنال الدرجات، وتُرفع المقامات، وقد خص اللّه جلَّ وعزَّ نبيه محمدًا صلى اللّه عليه وسلم بآية جمعت له محامد الأخلاق ومحاسن الآداب فقال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) (القلم).
وإن لحسن الخلق في الإسلام مكانة عالية, وتتعدد النصوص في فضل الخلق القويم، والحث على التحلي والتمسك به؛ فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا" (سنن الترمذي)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الناس لم يعطوا شيئًا خيرًا من خلق حسن" (صحيح الجامع).
وتأملوا أحبتي الأثر العظيم والثواب الجزيل لمن حسن خلقه؛ به تنال درجة العابدين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار" (السلسلة الصحيحة).
أحبتي.. فكم من أجور أضعناها بغفلتنا عن حسن الخلق والاعتناء به, وهذه دعوة بأن نحتسب أجر التحلي بالصفات الحسنة، ونقود أنفسنا إلى الأخذ بها والمجاهدة في ذلك.
وما الصفات التي ذكرها الله لعباد الرحمن في سورة الفرقان إلا غيض من فيض؛ ما يجب أن يتحلى به المسلم، لاسيما المسلم الالح الذي عُقدت أعين الناس بناصيته، ترقـُب حركاته وسكناته، وربما تحصي أنفاسه.
أدعو الله عز وجل أن نستكمل في أنفسنا أخلاق المؤمنين، فيتلقانا الله عز وجل في الفردوس الأعلى بقوله تعالى:
﴿أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) (الأنفال).
﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾
﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ (الفرقان: من الآية 63).
فرَّق الشيخ الشعراوي رحمه الله بين الجاهل والأمي، فالجاهل وعاؤه مملوء بالأخطاء والأغلاط، فهو مشوه الفكرة، تبذل معه جهدًا كبيرًا حين تريد له تصويبًا أو تعديلاً، كالإناء المملوء بالأوساخ، يلزمك إزالة ما فيه أولاً ثم غسله وتطهيره، بخلاف الأمي فهو فارغ الوعاء قابل للتصويب والتوجيه، وخطاب الجاهل، وحديثه نضح مما فيه على قاعدةكل إناء بما فيه ينضح)، فإذا أصابك رذاذ نضحه أو رشحه، فهل ترد عليه من نفس مادته التي ينضح فيها أو يرشح؟... ستكون إذًا على شاكلته.
وعباد الرحمن الذين اجتباهم ربهم، وأضافهم إليه، حصلوا من عرفانهم بربهم ما جعلهم أصفياء أنقياء أتقياء، لا يعرفون رَذْلَ القول ولا ساقطه، ولا يجدون في جعبتهم اللفظية ما يجعلهم على مثل ذلك، وليس في دعائهم إلا خير الكلام وصالح العمل ليس في ذاكرتهم إلا سلام المتارك المفاصل الذي لا يضيع وقته في باطل، ثم سلام التحاب والتواد والإخاء؛ إذا خاطبهم الجاهلون بنوع جهالة لم يجدوا معم إلا سلامًا، لم يجدوا إلا﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ (القصص: من الآية 55)، لا يجاورنهم في جهلهم، بل لا يعرفون لهذا النوع لغة، ولا قاموس لغة؛ إنه الإعراض والتخلي، وابتغاء السلام، سلام الدين والخلق والدنيا والآخرة.
وهذا حديث شريف نذكره، نفيد منه الخير كله، حين نمتثله ونطبقه في حياتنا، اقرأ الحديث وَخَيل لنفسك لحظة يجهل عليك جاهل، وأنت تؤثر السلامة فتقول: سلامًا سلامًا، سيموت كمدًا من الغيظ؛ لأنه لم يتمكن من إثارة نفسك العلية، وأنت أحسنت بخلقك، ودينك، وهاك الحديث؛ روي الإمام أحمد رضي الله عنه، عن النعمان بن مقرن المزني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سب رجل رجلاً عنده، فجعل المسبوب يقول: عليك السلام)، قال صلى الله عليه وسلم: "أما إن ملكًا بينكما يذب عنك كلما شتمك، قال له: بل أنت أحق به، وإذا قلت: وعليك السلام، قال: لا بل أنت... أنت أحق به" (إسناده صحيح).
وهذا هو ذات حال الصائم، ينصحه صلى الله عليه وسلم: "إذا سابه أحد أو خاصمه أو شاتمه فليقل: إني صائم إني صائم"، وكأنه يقول له أنت تجهل، تنضح من وعائك أوساخًا، وأنا مشغول بربي، وقد طهر وعائي، ولا يليق بي إلا أن أعلنك بحالي، فإني صائم.
والفارق بينهما أن الصائم أطاع ربه فعبده، فرقي به ربه إلى معالي لا يستشرفها إلا عباد الرحمن، وانحط الآخر إلى مستوى العبيد لم يطع ربه، ولم يستطع الخروج من مستواه الآسن، فهو دائمًا في مرتبة العبيد.
خلاصة
من الصفات التي تجلَّى بها الخالق جل جلاله على عباده الذين أضافهم إليه إضافة تكريم وتعظيم وتشريف، أن منحهم خلقًا
يرتفعون به عن كل جهالة ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ الفرقان
نحمده تعالى ونشكره، ونصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, سيد المرسلين وإمام المتقين, وعلى آله وصحبه أجمعين.
فإن مكارم الأخلاق صفة من صفات الأنبياء والصديقين والصالحين، بها تُنال الدرجات، وتُرفع المقامات، وقد خص اللّه جلَّ وعزَّ نبيه محمدًا صلى اللّه عليه وسلم بآية جمعت له محامد الأخلاق ومحاسن الآداب فقال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) (القلم).
وإن لحسن الخلق في الإسلام مكانة عالية, وتتعدد النصوص في فضل الخلق القويم، والحث على التحلي والتمسك به؛ فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا" (سنن الترمذي)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الناس لم يعطوا شيئًا خيرًا من خلق حسن" (صحيح الجامع).
وتأملوا أحبتي الأثر العظيم والثواب الجزيل لمن حسن خلقه؛ به تنال درجة العابدين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار" (السلسلة الصحيحة).
أحبتي.. فكم من أجور أضعناها بغفلتنا عن حسن الخلق والاعتناء به, وهذه دعوة بأن نحتسب أجر التحلي بالصفات الحسنة، ونقود أنفسنا إلى الأخذ بها والمجاهدة في ذلك.
وما الصفات التي ذكرها الله لعباد الرحمن في سورة الفرقان إلا غيض من فيض؛ ما يجب أن يتحلى به المسلم، لاسيما المسلم الالح الذي عُقدت أعين الناس بناصيته، ترقـُب حركاته وسكناته، وربما تحصي أنفاسه.
أدعو الله عز وجل أن نستكمل في أنفسنا أخلاق المؤمنين، فيتلقانا الله عز وجل في الفردوس الأعلى بقوله تعالى:
﴿أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) (الأنفال).
﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾
﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ (الفرقان: من الآية 63).
فرَّق الشيخ الشعراوي رحمه الله بين الجاهل والأمي، فالجاهل وعاؤه مملوء بالأخطاء والأغلاط، فهو مشوه الفكرة، تبذل معه جهدًا كبيرًا حين تريد له تصويبًا أو تعديلاً، كالإناء المملوء بالأوساخ، يلزمك إزالة ما فيه أولاً ثم غسله وتطهيره، بخلاف الأمي فهو فارغ الوعاء قابل للتصويب والتوجيه، وخطاب الجاهل، وحديثه نضح مما فيه على قاعدةكل إناء بما فيه ينضح)، فإذا أصابك رذاذ نضحه أو رشحه، فهل ترد عليه من نفس مادته التي ينضح فيها أو يرشح؟... ستكون إذًا على شاكلته.
وعباد الرحمن الذين اجتباهم ربهم، وأضافهم إليه، حصلوا من عرفانهم بربهم ما جعلهم أصفياء أنقياء أتقياء، لا يعرفون رَذْلَ القول ولا ساقطه، ولا يجدون في جعبتهم اللفظية ما يجعلهم على مثل ذلك، وليس في دعائهم إلا خير الكلام وصالح العمل ليس في ذاكرتهم إلا سلام المتارك المفاصل الذي لا يضيع وقته في باطل، ثم سلام التحاب والتواد والإخاء؛ إذا خاطبهم الجاهلون بنوع جهالة لم يجدوا معم إلا سلامًا، لم يجدوا إلا﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ (القصص: من الآية 55)، لا يجاورنهم في جهلهم، بل لا يعرفون لهذا النوع لغة، ولا قاموس لغة؛ إنه الإعراض والتخلي، وابتغاء السلام، سلام الدين والخلق والدنيا والآخرة.
وهذا حديث شريف نذكره، نفيد منه الخير كله، حين نمتثله ونطبقه في حياتنا، اقرأ الحديث وَخَيل لنفسك لحظة يجهل عليك جاهل، وأنت تؤثر السلامة فتقول: سلامًا سلامًا، سيموت كمدًا من الغيظ؛ لأنه لم يتمكن من إثارة نفسك العلية، وأنت أحسنت بخلقك، ودينك، وهاك الحديث؛ روي الإمام أحمد رضي الله عنه، عن النعمان بن مقرن المزني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سب رجل رجلاً عنده، فجعل المسبوب يقول: عليك السلام)، قال صلى الله عليه وسلم: "أما إن ملكًا بينكما يذب عنك كلما شتمك، قال له: بل أنت أحق به، وإذا قلت: وعليك السلام، قال: لا بل أنت... أنت أحق به" (إسناده صحيح).
وهذا هو ذات حال الصائم، ينصحه صلى الله عليه وسلم: "إذا سابه أحد أو خاصمه أو شاتمه فليقل: إني صائم إني صائم"، وكأنه يقول له أنت تجهل، تنضح من وعائك أوساخًا، وأنا مشغول بربي، وقد طهر وعائي، ولا يليق بي إلا أن أعلنك بحالي، فإني صائم.
والفارق بينهما أن الصائم أطاع ربه فعبده، فرقي به ربه إلى معالي لا يستشرفها إلا عباد الرحمن، وانحط الآخر إلى مستوى العبيد لم يطع ربه، ولم يستطع الخروج من مستواه الآسن، فهو دائمًا في مرتبة العبيد.
خلاصة
من الصفات التي تجلَّى بها الخالق جل جلاله على عباده الذين أضافهم إليه إضافة تكريم وتعظيم وتشريف، أن منحهم خلقًا
يرتفعون به عن كل جهالة ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا﴾ الفرقان